العسل اليمني .. ثروة تنموية يهددها الصراع والتغير المناخي

  • 2023-08-15 23:51:02

اعداد/ رجاء مكرد

العسل اليمني أحد أغلى أنواع العسل في العالم، إذ يتميز عالم ًيا بجودته العالية وفوائده العلاجية، يصل سعر الكيلو الواحد للعسل داخل اليمن إلى حوالي 75 دولا ًرا، بينما خارج البلد 500 دولار أمريكي.

مع ذلك، فإن ظروف الصراع، والتغيرات المناخية، وضعف القدرة الشرائية المحلية والتصدير كلها عوامل ساهمت في تراجع صادرات العسل، فبعد أن كان يصل حجم الصادرات حتى عام 2014م 50ألف طن سنو ًيا، تراجع إلى النصف مع بداية الصراع، بحسب اتحاد النحالين اليمنين.

أرقام:

- 100 ألف أسرة يمنية تعتمد على تربية النحل، بحسب منظمة الفاو 19 مايو 2023م.

- بلغ إجمالي إنتاج اليمن من عسل النحل الصافي عام 2013م قرابة 2614 ط ًنا، في حين بلغ عدد خلايا النحل في اليمن ما يقارب المليون و308 آلاف خلية خلال العام ذاته، وف ًقا لـ إحصائية صادرة عن وزارة الزراعة
والري اليمني.

- تشتهر اليمن بعسل السدر، وهو من أغلى أنواع العسل في العالم، وف ًقا لبيانات منظمة الفاو 19 مايو 2023م.
- بلغ عدد النحالين اليمنين 81.734نحال عام 2002م، بحسب "كتاب الإحصاء الزراعي السنوي"، وزارة الزراعة والري اليمنية.

خلفية تاريخية

ُيعتبر إنتاج العسل وتربية النحل من المهن التي رافقت اليمنين من ُذ القدم، إذ ُتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنها تعود للقرن العاشر قبل الميلاد، و ُتعد مصدر دخل لآلاف الأسر.

وبحسب التقرير ذاته والمنشور في 19 مايو 2022م، أنه يتمتع العسل اليمني بسمعة تجارية فائقة الصيت، ويعتبر عسل السدر اليمني -تحدي ًدا-واح ًدا من أغلى وأجود أنواع العسل في العالم، وأنه من أفضل الأصناف العالمية، ويلعب
دو ًرا حيو ًيا في الاقتصاد المحلي.

ُيشير تاريخ تجارة العسل في اليمن، إلى أنها احتلت خلال القرن العاشر قبل الميلاد المرتبة الرابعة في اقتصاد مملكة حضرموت، وكتب المؤرخون والفلاسفة عن العسل اليمني، كما تغنى به الشعراء والفنانين منها قصيدة "يا عسل يا دوعن" والتي غناها الفنان الراحل أبو بكر سالم.

فخلال الفترة (46 ق.م – 46 م)، كتب المؤرخ والفيلسوف اليوناني سترابو عن سلعة العسل اليمني، وعن جهود اليمنين في تسلق الجبال؛ بح ًثا عن طوائف النحل، منها جبال بني سليم التي اشتهرت بكثرة العسل، بحسب كتاب "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" لـ علي جواد، 1791.

وعن المناطق اليمنية التي تنتشر فيها مهنة تربية النحل، ُتشير بيانات وزارة الزراعة والري، كتاب الإحصاء الزراعي 2019م، أنها تنتشر في معظم المحافظات اليمنية، وتحتل محافظة حضرموت المرتبة الأولى من حيث كمية
إنتاج العسل، تليها شبوة وأبين والحديدة.

ويأتي تميز العسل اليمني إلى تنوع تضاريس اليمن بين جبال ووديان وهضاب واسعة وسواحل، أي ًضا تنوع المراعي النحلية تب ًعا للتنوع النباتي أزهار وثمار؛ الأمر الذي أدى إلى تن ّوع كبير في أنواع العسل.

توضح دراسة لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية بعنوان " تربية النحل وإنتاج العسل تحت ظروف الحرب في اليمن" منشورة في مارس 2023م، أن تسمية العسل تعود إلى نسبة النبات الذي ُجمع منه الرحيق، وأن شجر السدر ينتج منها أجود وأنقى أنواع العسل.

مؤكدة أنه، "ينتشر في اليمن أكثر من 1000 نوع من النباتات التي يقوم النحل بزيارتها لجمع الرحيق وحبوب اللقاح، وهي موزعة في مساحات الأغطية النباتية بجميع مناطق اليمن، ويقوم النحالون اليمنيون بنقل طوائف النحل من مكان إلى آخر طوال السنة؛ بحثاً عن المرعى المناسب لنحلهم".

تجارة العسل

لتجارة العسل أهمية كبيرة تعود بالنفع الاقتصادي، وشكل تجارة مربحة لليمنين، فبحسب الإحصائيات الرسمية لوزارة الزراعة اليمنية عام 2002م ،بلغ عددالنحالين اليمنين81.734نحال ،وُصنف العسل اليمني عام2003 كأحد السلع الاستراتيجية الخمس التي أعلنت عنها الحكومة اليمنية؛ لأهميتها في رفد الاقتصاد. 

واليوم، ُتعد مهنة "تربية النحل" واحدة من أهم مصادر الدخل التي تعيش عليها الكثير من الأسر ذات الدخل المحدود في اليمن -لا سيما-في المناطق الريفية، وقد أشارت بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في مايو 2023م، أن حوالي 100.000 أسرة تعمل في قطاع إنتاج العسل، مشيرة إلى إقبال عدد متزايد من الشباب اليمني على تجارة العسل.

تراجع إنتاج العسل

على الرغم من الأهمية الكبيرة التي يحظى بها العسل، إلا أنه تراجع إنتاجه أثناء الصراع، فبحسب اتحاد النحالين اليمنين، بعد أن كان يصل حجم الصادرات حتى عام 2014م بـ 50ألف طن سنو ًيا، تراجع إلى النصف مع بداية الصراع.

ويرجع الكثير من النحالين والباحثين والدراسات تراجع إنتاج وتصدير العسل إلى ظروف الصراع، والتدهور الاقتصادي، وأخرى متعلقة بالتغيرات المناخية.

(المهندس الزراعي منصور عبد الرزاق)، يوضح أن أهم الصعوبات التي تواجه إنتاج العسل هي صعوبة نقل خلايا النحل من منطقة إلى أخرى للبحث عن مراعي؛ بسبب المواجهات بين أطراف النزاع، أي ًضا أحيا ًنا سقوط قذائف
عشوائية على خلايا النحل وتدميرها.

ويضيف المهندس منصور، أن تدهور الحالة المادية للسكان، تعتبر سب ًبا في تراجع إنتاج العسل، بالتالي أهتم السكان بالقوت الضروري، واعتبروا أن العسل كماليات (ليست احتياجات أساسية)؛ الأمر الذي انعكس على النحالين بقلة الطلب. أي ًضا الانفلات الأمني، حيث يتعرض النحالين للسطو من قبل جماعات خارجة عن القانون؛ كونهم يعيشوا مع خلايا النحل في وديان.

مؤك ًدا أن السبب الرئيسي في التراجع بإنتاج العسل، أن الدولة تسمح باستيراد العسل لليمن من الخارج، بالتالي فإن التجار يستوردون العسل من (كاشميريا) يسمى عسل كشميري، وهو ذو جودة مقبولة، وسعره أرخص من العسل اليمني لدرجة أن دولة كشميريا اصدرت تقري ًرا أنها تصدر لليمن كميات كبيرة من العسل، بحسب قوله.

وهناك العديد من التحديات التي يواجها قطاع تربية النحل، منها ضعف تصدير العسل إلى الخارج؛ بسبب أمور أكدها كثير من تجار العسل، وتتعلق بالتعليب والحاجة إلى مواد التغليف.

بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية -تحدي ًدا-الغاز، والذي انقطاعه يدفع السكان إلى الاحتطاب الجائر للأشجار منها أشجار السدر؛ لاستخدامها كبديل للوقود المنزلي.

ولأن طبيعة النحالون اليمنيون التنقل بين الهضاب والوديان والجبال؛ بح ًثا عن مرعى للنحل، يتعرض الكثيرون منهم لمخاطر، يؤكد تقرير " الذهب السائل: النحالون يتحدون حرب اليمن لإنتاج أفضل أنواع العسل – الجارديان" المنشور في مارس 2021م، أنه يتعرض النحالون في اليمن لخطر الإصابة أو الموت؛ جراء الألغام الأرضية المزروعة التي أصبحت منتشرة في مراعيهم على نطاق واسع منذ بدء الصراع.

آثار بفعل المناخ

تؤثر طبيعة هطول الأمطار في اليمن بمواسم إزهار أشجار السدر، ففي السنوات الأخيرة أدى هطول الأمطار الغزيرة إلى تساقط أزهار السدر قبل تم ّكن النحل من جمع رحيقها، وف ًقا لـ تقرير "النحالين المعروفين في اليمن يشعرون بلسعة آثار تغير المناخ" المنشور في 21 يونيو 2021م على رويترز.

كما أن تنامي ظاهرة التحطيب الجائر سيؤثر سل ًبا على إنتاج العسل، وتفشي الجراد الذي تبعته حملات مبيدات لمكافحته، وحملات مكافحة البعوض، كلها تعتبر مهددات بيئية لطوائف النحل.

جهود دولية

تركز الدعوات الأممية على سرعة اتخاذ إجراءات عالمية لدعم الإنتاج الزراعي الصديق للملقحات، وإبراز أهمية حماية النحل والملقحات الأخرى.

وعن دور المنظمات في دعم إنتاج العسل، ففي الآونة الأخيرة، استفادت حوالي 700أسرة من أنشطة تربية النحل، بدعم من البنك الدولي، وشهد هذا المشروع زيادة النحالين في الإنتاج والأرباح مع قيام بعض النحالين بتوسيع أنشطتهم
وزيادة عدد خلايا النحل.

كما عملت منظمة "الفاو" مع المجتمعات المحلية لتعزيز قدرة النحالين على الصمود أمام الصدمات المناخية، وفي ذات الوقت إنقاذ النحل الذي لا يلعب دو ًرا في إنتاج العسل فحسب، بل كملقحات أيضا.

وقدم المشروع الممول من البنك الدولي 600 كيلوغرام من المبيدات الحيوية لليمن كبديل آمن للمبيدات الكيماوية، كما تم تعزيز المكافحة البيولوجية في مكافحة الآفات الأخرى.

إن تداعيات الصراع والتغيرات المناخية، عوامل تهدد قطاع تربية النحل في اليمن، وتستدعي الانتباه واتخاذ التدابير اللازمة للحد من تراجع إنتاج العسل، ليظل العسل اليمني يحظى بالتقدير العالمي وتفرده بسعره وجودته المشهورة.

تصنيفات

متعلقات